أخبار الموقع

مقال اقالة وزير الداخلية





عصام كامل يكتب: أقيلوا وزير الداخلية



 
قالت صحيفة يومية، إن نجاح الأمن في الكشف عن عدد من المخططات لاستهداف الكنائس وأعياد المصريين في رأس السنة كان وراء استهداف الإرهابيين لكمين الهرم، فلم تمض سوى سويعات قليلة لتستيقظ مصر على ضربة أكثر إيلاما بالكاتدرائية المرقسية نفسها.. أي نجاح أمني هذا الذي يتيح للإرهابيين الوصول إلى بيت البابا!!
وصل الإرهابيون إلى داخل الكاتدرائية وزرعوا قنابلهم بهدوء دون أن يراهم أحد.. دون أن تستوقفهم قوات الأمن التي كانت "نايمة في العسل".. وصل الإرهابيون إلى واحدة من أقدس الأماكن وأكثرها أهمية.. عبروا البوابات.. دخلوا وسط الحراسات المشددة أو التي من المفترض أن تكون مشددة.. تصوروا وصلت قنابل الإرهابيين إلى داخل رمز دينى ووطني بحجم الكاتدرائية.
أي فلسفة أمنية تلك التي ينفذها وزير الداخلية؟ أي منهج أمني ذلك الذي وضعه وزير الداخلية لحماية البلاد والعباد.. الفشل يطارده ويلاحقه والكاتدرائية هي الأمر غير المقبول حدوثه.. أن يصل الإرهاب إلى داخل الكاتدرائية لأول مرة في التاريخ الأسود للجماعات الإرهابية فإن هذا يعنى أن خللا أمنيا جسيما قد ارتكبناه.. هذا الخلل هو الذي دفع الشباب والرجال والنساء لمحاولة طرد قوات الأمن من موقع الجريمة عقب حدوثها.

لا يمكن القول بأن العملية الإرهابية في بيت من بيوت الله ويوم مولد رسول الرحمة وأخرى يوم جمعة في كمين الهرم، إنهما عمليتان جاءتا ردا على النجاحات الأمنية التي لاحقت الإرهابيين.. الإرهابيون يصولون ويجولون دون ردع وكأنهم يتجولون في حراسة الإهمال واللامبالاة والسذاجة والسطحية.
الإرهابيون يعرفون كنائس مصر وخريطتها وكان من الممكن أن يكون هناك مبرر وآه لو أن ما حدث حدث في كنيسة داخل حارة أو في عزبة منزوية في أطراف الصعيد.. الإرهابيون يعرفون عنا أكثر مما نعرف عنهم.. مصنع المعلومات بوزارة الداخلية معطل.. القادة منشغلون بأمور أخرى غير أمور الأمن والأمان.. أين كانت حراسات الموقع الحساس؟ وكيف تعمل؟ وما هي الأجهزة التقنية المعاونة لها.

الذين فجروا الكاتدرائية زاروا الموقع أكثر من مرة واطلعوا على حالة الاسترخاء الأمني.. زاروا المكان وخططوا بهدوء لعملية نوعية هي الأخطر خلال السنوات الماضية.. عملية لم تحدث أيام الفوضى العارمة.. كانت الكاتدرائية دائما رمزا وطنيا ودينيا يصعب على خيال الإرهابيين أن يتصوروا يوما أن يطولوه غير أنهم للأسف الشديد طالوه وفجروه وخرجوا سالمين.. فعلوا فعلتهم الدنيئة ونحن نيام وقبلها بيومين فقط فجروا الكمين رقم مائة.. أي صبر هذا الذي يدفعنا على السكوت عن رؤية أمنية قاصرة ومعيبة.

والمجرمون واللصوص والقتلة يعرفون أيضا مواضع الكمائن الأمنية في بر مصر كما يعرفون أبناءهم.. كم من مرات وسائق التاكسي يمضي في طريق غير الطريق وعندما تسأله سيجيبك ببساطة.. هناك كمين.. سائقو الميكروباص والنقل الثقيل يحولون طرقهم إلى طرق أكثر "أمانا" حسب مفاهيمهم لأن هنا أو هناك كمين شرطة.. المجرمون من تيارات القتل يعرفون خريطة الأكمنة كما نعرفها نحن العامة.. يعرفون أيضا أن أبناءنا في الأكمنة لا يعرفون حالة الاستعداد القصوى لخطر لا يعلمون من أين يأتي؟
أقول هذا الكلام وفي القلب جرح لا يندمل وفي عيوننا دموع متحجرة.. نطالع الأخبار اليومية لأبناء كل جريمتهم أنهم يحمون وطنا من عدو غادر.. يذهبون في غمضة عين.. يرحلون عن عالمنا بأيادي الخونة وكل ما يحصلون عليه.. دقيقة حداد وجنازة عسكرية وبعض مانشيتات تدين ما حدث.

كل ذلك لا يكفي.. الأطفال الذين يفقدون ذويهم.. الأمهات الثكالى.. الحيارى.. فاقدات أبناءهن وفلذات أكبادهن.. الزوجات المترملات.. الآباء المكلومون.. الوطن المعذب بدموع الأهل والأصحاب أمام الكاتدرائية وخلف الكمائن.. كل ذلك يفرض علينا أن نعيش حالة أمنية احترافية غير التي نراها في الشوارع.. أقول ذلك لأنه لابد من محاسبة ومكاشفة.. لابد وأن نتحدث بصدق وصراحة عن الاسترخاء الأمني.. الاسترخاء هو وقود الإرهابيين لقتل أبنائنا.. التناول الساذج والسطحى لقضايا الأمن لم يعد مقبولا أن نتجاهلها.
لا يكفي للوزير أو مدير الأمن أن يعلن علينا أن قواته تطارد المجرمين.. أين كانت قواته عندما زرع الإرهابيون قنابلهم؟.. عندما تمركزوا بأسلحتهم؟.. عندما طافوا بموقع جريمتهم في مرحلة التخطيط.. هذا العدد الهائل من الضحايا والشهداء لا يجب أن يذهب بلا ثمن.. دون محاسبة.. دون تحقيق داخلى.. دون إعادة النظر في الممارسات الأمنية التي تقدم أبناءنا للإرهابيين بكل سهولة.

ليست المرة الأولى التي يتم فيها تفخيخ كمين شرطة ولن تكون الأخيرة غير أنها المرة الأولى التي يصل فيها الإرهابيون إلى الكاتدرائية.. أصبحنا صيدا سهلا للقتلة والإرهابيين.. نقدم أبناءنا لهم على طبق من إهمال.. من حق أسر الشهداء في الكمائن والكنائس أن تتساءل عن الإجراءات الاحترازية والطرق المهنية الاحترافية والأجواء التي يمارس فيها أبناؤهم عملهم.. من حقنا جميعا أن نتساءل عن أسباب هذا السيل من الضحايا الأبرياء.. من حقنا أن نطمئن إلى أن أبناءنا يلقون اهتماما حقيقيا للحفاظ على أرواحهم.

لم يعد مقبولا أن تطوف بشوارعنا يوميا جنازات الشهداء الأبرار.. الشهادة ليست هدفا، الانتصار هو الهدف.. دماء الأبرياء أقدس من الكعبة وأقدس من الكاتدرائية فهل قدمنا للضحايا كافة المقومات والإمكانيات التي تحميهم؟.. لم يعد مقبولا أن يكون عمل الضابط والجندي مجرد تكليف بلا إجراءات حمائية.. أين كوادرنا الأمنية؟.. أين خطط الوزارة لحماية الناس والمقدسات والضباط؟.. ماهو المفهوم الأمني للكمين وماهي الإجراءات الحمائية للارتكازات الأمنية في كافة المواقع وأمام الكنائس.

لم يعد مقبولا أن نستمر في العمل وفق نظرية "ربنا يستر" ولم يعد منطقيا أن نعيش في حالة الإهمال التي نراها يوميا.. الإهمال جريمة في حق الشهداء.. الأمن رسالة وعلم ومهنة وكل رسالة تحددها مفاهيم وقيم مهنية وأداء وأدوات وحياة أبنائنا أولى بالحماية.. لا يمكن القبول دوما بفكرة الجنة والشهادة لأن الإهمال انتحار والتواكل ليس عملا بطوليا والانتصار أغلى من الشهادة.

حادث الهرم الإجرامي وجريمة العباسية النكراء يجب أن يكونا آخر فصل من فصول اللامبالاة.. حادث الهرم يجب أن يكون الأخير وتفجير الكاتدرائية عار لا يجب السكوت عنه.. لا بد من فلسفة أمنية جديدة ومتجددة.. فلسفة أمنية تعتمد على الاحتراف في الأداء والدقة في الحماية.. إنهم رجال أوكلنا إليهم مهمة حماية الوطن والمواطنين والأولي بنا أن نبحث كيف نحميهم.. دراسة كافة الأحداث الإرهابية المتعلقة بالأكمنة أصبحت ضرورة للوقوف على الأسباب والحيلولة دون تكرارها.. لا يمكن السكوت أكثر من ذلك على هذا التناول السطحي.. حماية أبنائنا من هجمات الإرهابيين عمل مقدس لا ينبغي تأجيله.

أعود وأذكر ونحن في ذكرى الحبيب فوق كل حبيب.. ذكرى المولد النبوي.. أذكر وأتذكر معكم مشورة الحباب في غزوة بدر "قال ابن إسحاق: فحدثت عن رجال من بني سلمة، أنهم ذكروا: أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي. فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقلب فغورت، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه، فملأ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية".

هذه هي الدروس.. الحرب ضد الإرهابيين هي حرب ضد من كفروا بالعيش في سلام.. كفروا بالمحبة.. كفروا بالوئام ولابد من المشورة والمشورة علم وفن لا بد وأن نحتكم إليهما في حربنا ضد الطغاة والمجرمين لحماية أبنائنا قبل كل شيء.
أخيرا هل يرحل وزير الداخلية عن موقعه أم يدفع الصغار ثمن أخطاء الكبار؟.. لو كنت في موقعه لاستقلت فورا احتراما لنفسي وتاريخي وتقديرا لآلام الناس وأهالي الضحايا الأبرياء.
مصدر الخبر من هنا

ليست هناك تعليقات